قلت: {لولا} الأولى: امتناعية، وجوابها محذوف، اي: ولولا أنهم قائلون؛ إذا عوقبوا على ما قدّموا من الشرك محتجين علينا: (هلا أرسلت إلينا رسولاً...) إلخ؛ لَمَا أرسلناك.يقول الحق جل جلاله: {ولولا أن تصيبهم مصيبة}، أي: عقوبة في الدنيا والآخرة، {بما}؛ بسبب ما {قدمت أيديهم} من الكفر والظلم، ولمّا كانت أكثر الأعمال إنما تناول بالأيدي، نسب الأعمال إلى الأيدي، وإن كانت من أعمال القلوب؛ تغليباً للأكثر على الأقل، {فيقولوا} عند نزول العذاب: {ربنا لولا}؛ هلا {أرسلت إلينا رسولاً} يُنذرنا {فنتَّبع آياتك ونكونَ من المؤمنين}، فلولا احتجاجهم بذلك علينا لَمَا أرسلناك، فسبب الإرسال هو قولهم: هلا أرسلت... إلخ.ولما كانت العقوبة سبباً للقول جعلت العقوبة كأنها سبب الإرسال، فدخلت {لولا} الامتناعية عليها، فرجع المعنى إلى قولك: ولولا قولهم هذا، إذا أصابتهم مصيبة، لما أرسلناك.{فَلَمَّا جاءهم الحق من عندنا}؛ القرآن المعجز، أو الرسول صلى الله عليه وسلم، {قالوا} أي: كفار مكة؛ اقتراحاً وتعنتاً: {لولا}: هلا {أُوتي} من المعجزات {مثل ما أُوتي}؛ أُعطي {موسى} من اليد والعصا، ومن الكتاب المنزل جملة. قال تعالى: {أوَ لَمْ يكفروا} أي: أبناء جنسهم، ومَنْ مَذهبهم على مذهبهم، وعنادهم مثل عنادهم، وهم الكفرة في زمن موسى عليه السلام، فقد كفروا {بما أُوتي موسى من قبلُ}؛ من قبل القرآن، {قالوا} في موسى وهارون: {ساحران تظاهرا}: تعاونا، أو: في موسى ومحمد- عليهما السلام- بإظهار تلك الخوارق، أو بتوافق الكتابين. وقرأ الكوفيون: {سِحْران}؛ بتقدير مضاف، أي: ذوَا سحر، أو: جعلوهما سحريْن؛ مبالغة في وصفهما بالسحر. {وقالوا} أي: كفرة موسى وكفرة محمد صلى الله عليه وسلم: {إِنا بكلِّ}؛ بكل واحد منهما {كافرون}.وقيل أن أهل مكة، لمّا كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن؛ فقد كفروا بموسى وبالتوراة، وقالوا في محمد صلى الله عليه وسلم وموسى: ساحران تظاهرا، أو في التوراة والقرآن: سحران تظاهرا، أو: ذلك حين بَعَثُوا الرهط إلى رؤساء اليهود يسألونهم عن محمد، فأخبروهم أنه في كتابهم فرجع الرهط إلى قريش، فأخبروهم بقول اليهود، فقالوا عند ذلك: {ساحران تظاهرا إنا بكل كافرون}.{قلْ} لهم: {فأتوا بكتابٍ من عند الله هو أهدى منهما}؛ مما أنزل على موسى، وما أنزل عليَّ، {أتَّبِعُه}: جواب: فأتوا، {إن كنتم صادقين} في أنهما ساحران، {فإِن لم يستجيبوا لك} دعاءك إلى الإتيان بالكتاب الأهدى، {فاعلم أنما يتبعون أهواءهم} الزائغة، ولم تبق لهم حجة إلا اتباع الهوى، {وَمَنْ أضلُّ ممن اتبع هواه بغير هُدى من الله} أي: لا أحد أضل ممن اتبع في الدين هواه بغير هدى، أي: بغير اتباع شريعة من عند الله.و{بغير هدى}: حال، أي: مخذولاً، مُخَلاً بينه وبين هواه، {إن الله لا يهدي القوم الظالمين}؛ الذين ظلموا أنفسهم بالانهماك في اتباع الهوى والتقليد. وبالله التوفيق.الإشارة: لو احتجاج الناس على الله يوم القيامة، حين تصيبهم نقائص عيوبهم، ما بعث الله في كل زمان نذيراً طبيباً، فإذا ظهر وتوجه لتربية الناس، قالوا: لولا أُوتي مثل ما أُوتي فلان وفلان من كرامات المتقدمين، فيقال لهم: قد كان مَنْ قبلكم من الأولياء لهم كرامات فكذَّبوهم وأنكروا عليهم ورموهم بالسحر والتبدع وغير ذلك وبقوا مع هوى أنفسهم. ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله، أي: بغير تمسك بمن يهديه إلى حضرة الله، إن الله لا يهدي القوم الظالمين إلى معرفته الخاصة.